الأحد، 28 أغسطس 2016

دين العلم الحديث (الطبيعانية): [لا ربٌ إلا الطبيعة، ورُسُلُها هم علماء الطبيعة] Naturalism.

تنبيه: لا حرج في دراسة الطبيعة ككيان مخلوق يمثل الوعاء المعرفي للموجودات القابلة للنظر التجريبي. أما الحرج كل الحرج فيتمثل في قصر الوجود على الطبيعيات المدركات بأدوات الحس، وإفراد الطبيعة دون ما عساه أن يكون وراءها بخلق محتواها، وأنها المبدعة لما فيها من آيات، ومن ثم نفي الفعل الغائي، والتدبير الماورائي الذي ينسبه العاقل لله وحده، ويقصره عليه. وهذا الحرج هو ما نأخذه على مذهب الطبيعانية، ونتهمها به أشد الاتهام، وندينها بأنها لا تتبع في مذهبها هذا المنهج العلمي الذي تشدو به وتتجمل بحمله، كما تزعم.

***********

يقول لسان حال العلم الغربي الحديث - ومن وراءهم أتباعهم
    العلم الحديث لا دين له! .. ولا شأن للأديان به، ولأن الأديان كثيرة .. فهي ظواهر نفسية أو اجتماعية أو تاريخية أو أسطورية .. قائمة على اعتقاد لا مستند علمي له .. ولا استثناء لشيء منها يرتقي فيكون مصدراً موثوقاً للعلم.
والحقيقة أنهم ينفون العقائد، وفي نفس الوقت يتخذون لأنفسهم عقيدة ... وعقيدتهم تقوم على الإيمان بأن الطبيعة فقط هي كل ما هو موجود. وليس هناك من موجود إلا وحتماً هو طبيعي، ومن ثم يكون مشمولاً في دراساتهم، وخاضع لتنظيراتهم. وإذا كان الأمر كذلك، فما من ظاهرة إلا وتفسيرها طبيعي، أي آلي ميكانيكي وإلى ما لا نهاية، وبلا مآل لما وراء الطبيعة، وما من مصدر للعلم بالوجود الطبيعي إلا ويؤخذ من الطبيعة، وليس من ورائها.
ومن كان هذا شأنه، فهو مؤمن بالطبيعة، وفقط الطبيعة، أي أنه على دين (الطبيعانية) الذي عنوانه هو:
لا ربٌّ إلا الطبيعة، ورُسُلُها هم علماء الطبيعة
تعريفات الغربيين لعقيدتهم الطبيعانية:
يقول معجم أوكسفورد في اللغة الإنجليزية:
الطبيعانية Naturalism  (من وجهة نظر فلسفية) هي الفكرة أو الإيمان بأن هذا الكون لا يرسم معالمه إلا القوانين والقوى الطبيعية (في مقابل أي زعم بوجود قوى ماورائية أو روحانية). و(من وجهة نظر ثقافية)، فالطبيعانية هي الفكرة أو الإيمان بانعدام وجود أي شيء خلاف هذا العالَم الطبيعي. ويعم هذا الإيمان كل شيء بما في ذلك الأخلاق، وأنها ليست إلا مفاهيم سلوكية قابلة للتحليل في إطار أنها ناتجة عن تطبيقات على ظواهر طبيعية].
ويتفرع عليه تعريف الدين الطبيعاني Natural Religion وأنه: [اعتقاد بأنه كل شيء (بلا استثناء) يستند إلى العقل الطبيعي والنظر الطبيعي في الصفات الطبيعة في الموجودات (ولا يستند إلى أي شيء غير ذلك البتَّة)].


_______________________

اعترافات الغربيين:

1- قال ييج وون كيم Jaegwon Kim [1]:
إذا جاز لنا القول أن للفلسفة المعاصرة أيديولوجيا فلسفية، فهي بلا جدال "الطبيعانية". فقد قادت هذه "الطبيعانية" الفلسفة التحليلية ورسمت مسارها، على مدار القرن الميلادي العشرين، وكانت عقيدتها المهيمنة بلا منازع.

2-

آثار الغربيين التي تنسب أفعال الخلق إلى "الطبيعة":

1- قال هنريش هرتز - أول من أنتج الأمواج الكهرومغناطيسية معمليا - في كتابه ("مبادئ الميكانيكا"، 1899، ص23):
 [حقاً أننا لا يمكننا أن نطلب من الطبيعة أن تكون بسيطة من حيث المبدأ، ولا أننا نستطيع الحكم على ما هو البسيط في تقديرها.] 
It is true we cannot a priori demand from nature simplicity, nor can we judge what in her opinion is simple.

2- قال ماكس فيين Max Wien:
[الطبيعة وحدها صاحبة القرار النهائي] Nature alone must make the final decision.
(ScottWalter. The non-Euclidean style of Minkowskian relativity. In Jeremy Gray, editor, The Symbolic Universe: Geometry and Physics, 1890–1930, pages 91–127. Oxford University Press, Oxford, 1999.)

3- قال أرثر إدنجتون سنة 1922 في كتابه (النظرية النسبية وأثرها على الفكر العلمي):
          [أنتجت الطبيعة من بدائل النظم الإحداثية ما لا نهاية له. Nature offers an infinite choice of frames]

4- قال ريتشارد فاينمان (في محاضرة له سنة 1979 بعنوان "الفوتونات .. جسيمات الضوء"):
[ليس علينا أن نقول للطبيعة ماذا يجب عليها  أن تفعل ... فهي ماهرة .. لأن لها دائماً خيال أشد خصوبة من خيالنا]
We are not to tell nature what she’s gotta be. …She is clever .. She's always got better imagination than we have.
                            
6- عنوان كتاب:
"As Distinct as Nature Has Formed Them: Race, Class, and Nation in the Early Republic" - by Marianne Ahokas
8- عنوان كتاب:
"The Weather Factor: How Nature Has Changed History" - by Erik Durschmied

9- عنوان كتاب:
"Natural Acts: A Sidelong View of Science and Nature" - by David Quammen

10- وهناك قلة من الغربيين من تردد بين نسبة إيجاد الكون إلى الله أو إلى الطبيعة مثل (السير مايكل عطية Michael Atiyah) (وهو عندئذ يُصنف من اللادرية) عندما قال (في محاضرة له سنة 2010 بعنوان: "من الفيزياء الكمومية إلى نظرية الأعداد" From Quantum Physics to Number Theory ):
[أياً كان الذي خلق الكون - ألله أو الطبيعة - فنحن نؤمن أن الكون مبني على أصول منطقية رياضية جيدة]


11-
_______________________
النظريات القائمة على دين الطبيعانية:
1- الانتخاب الطبيعي Natural Selection: حيث يزعم دارون وأتباعه أنه القوة الخلاقة التي أنشأت الحياة ودفعتها للإثمار والتنوع الحيوي على الأرض، ويجب التنبيه على أن حدوث تتابع متصاعد للمخلوقات على الأرض، والذي يسمونه بالتطور، أمر يعضده القرآن بدليل قول الله تعالى "قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ"(العنكبوت:20)، وهو قول كان شائعاً قبل دارون وقال به المسلمون قبل الأوربيين. أما القول بأن هذا التتابع في الخلق قد حدث بانتخاب طبيعي فأمر مشكل علمياً، من حيث كفاية الانتخاب الطبيعي لخروج جنس من جنس. فإن أراد القائل بالانتخاب الطبيعي - إذا افترضنا جدلاً عدم إشكاله - استبعاد أن يكون هذا التتابع في الخلق تم بحكمة حكيم، وتدبير عليم، فهو قول مردود في وجه صاحبه.

2- انبثاق الظواهر النظامية Emergence من ظواهر أكثر فوضوية، ويكاد يعم هذا المبدأ الانبثاقي - بزعمهم - كل ظاهرة فيزيائية أو حيوية. ويعطون على ذلك أمثلة تضليلية، فيقولون مثلاً أن ملح الطعام الذي هو كلوريد صوديوم، يتكون من غاز كلور وهو سام بانفراده، وعنصر الصوديوم وهو قابل للانفجار، فإذا ما اتحداً انطمست هذه الصفات، وانبثقت صفات الملح المفيدة للأحياء. وينتقلون من هذا المثال إلى الوصول إلى أن أشد أنظمة تعقيداً، ويقصدون دماغ الإنسان، يتركب من خلايا عصبية لا تستطيع التفكير بانفرادها، ولكن إذا ما احتشد هذا الكم الهائل في ما يُسمى بالدماغ، انبثقت فيه ظاهرة التفكير. والنتيجة التي يصلون إليها بهذا التضليل أن الفكر والإرادة الحرة ليسا إلا ظواهر انبثاقية، طبيعانية، لا تستدعي أن لها حكيم قد قدرها وأوجدها. وأن الإرادة الحرة خدعة، وأننا مجبرون على فعل ما نفعل[2]. وهكذا يكونون قد أعتقوا كل مجرم من جريمته، وأعدموا الأخلاق. ويتمدد المفهوم التضليلي لفكرة الانبثاق هذه emergence لتبرير كل ما هو موجود بما في ذلك قوانين الطبيعة، فنرى بحثاً[7] بعنوان "الجاذبية والزمكان من منظور الانبثاق Gravity and space-time: An Emergent Perspective" يمتد على مدى 30 صفحة من التوليف العلمي الصياغة ليبرر العنوان.

3- الانفجار العظيم Big Bang: واعتبار أن الكون كان نقطة هندسية متفردة، انبعث الوجود منها بانفجار عظيم. ويسود الاعتقاد (والذي يوصف أيضاً بأنه علمي) بأن الزمن قد بدأ فقط مع لحظة الانفجار هذه، وأنه لا يجوز السؤال عن زمن سابق، رغم عدم وجود أدلة على ذلك، والسبب أيضاً (طبيعاني) وهو أنه لو كان هناك زمن قبل هذه اللحظة لاستدعى ذلك وجود أسباب طبيعية أنتجت هذا الانفجار). وتوجد معارضة على استحياء من بعض العلماء الطبيعانيين، لبداية الزمن لحظة الانفجار العظيم، ويسعى أصحابها بالفعل إلى تبرير حدوث الانفجار العظيم بأسباب طبيعية أسبق، مثل ارتطام غشائين كونيين في موضع بعينه، وأن الانفجار العظيم نتج عن هذا الارتطام، وهو أيضاً تصور لا دليل عليه. .. والحقيقة أن التبرير الطبيعاني naturalistic reason لن ينتهي بتسلسل الأحداث الطبيعية، لأنه لا يمكن القطع بوجود حادثة طبيعية لا سبب طبيعي لها أسبق منها. أللهم إلا إذا بدأ الزمن بالفعل ولم يكن له قبل. وهذا هو السبب الذي يجبر جمهور الطبيعانيين على الزعم بلا أسبقية للزمن قبل الانفجار العظيم، وأنهما (أي: الانفجار العظيم والزمن) قد بدءا معاً.

4- الأكوان المتوازية Parallel Universes أو الوجود متعدد الأكوان Multiverse: أو العوالم المتعددة Many Worlds، أو جملة من الأكوان [4] Ensemble of Universes: ...
الدافع المباشر لقول الطبيعانيين بتعدد الأكوان مع توازيها (حيث يفيد التوازي هنا عدم الالتقاء) هو الهروب من تبرير أن بنية الكون محكمة وأن الكون قام على قوانين محبوكة لا خلل فيها، وثوابت فيزيائية مختارة بعناية، وهو الأمر الذي يستدعي على الفور أنه مخلوق بحكمة حكيم. ويأتي تذرعهم بوجود الأكوان المتوازية ليضيع الكون المنظور وسط حشد من الأكوان المختلفة والقائمة بالفعل، أو التي كان من الممكن أن تتواجد، ولكن بقوانين وثوابت فيزيائية شديدة التفاوت. فيكون ظهور أحد هذه الأكوان التي تفوق الحصر بقوانين منضبطة محض صدفة، مثلما أنه من الطبيعي أن يظهر رقم خاص مثل (ط=3.14) وسط عدد هائل أو لا نهائي من الأرقام العشوائية. أما (العوالم المتعددة many worlds)، فلها دافع مختلف، ولكنه طبيعاني أيضاً، وندرجه فيما يلي:

5- الاحتماليات الواقعية لميكانيكا الكم Copenhagen Interpretation of Quantum Mechanics والعوالم المتعددة Many Worlds:
رغم أن ظاهرة الاحتمالات منتشرة في الفيزياء، وخاصة مع الظواهر التي تفيض بالمعلومات الخارجة عن نطاق الإحاطة، كالتنبؤ بالطقس مثلاً، إلا أنها لا تعبر إلا عن قصور المعرفة الإنسانية. وأنها لو اكتملت، سيصبح التنبؤ بالطقس (وأمثاله من ظواهر) أمر يقيني. غير أن احتمالات ميكانيكا الكم مختلفة، لأنها جزء من النظرية، وتقطع بها (في قالبها السائد والمسمى بتفسير كوبنهاجن)، وخلاصتها أنه ما من معلومات غائبة hidden variables، لو أمكن معرفتها ستصبح هذه الظواهر يقينية وتتلاشى منها الاحتمالية. ومرجعية أصحاب النظرية (أمثال بور وبورن و هايزنبرج وباولي .. إلخ) تكمن في أن النظرية صادقة في كل تنبؤآتها، وأنها احتمالات واقعية تؤكدها التجارب مراراً وتكراراً، وأن الواقع لم يفصح عن سبب يجعلنا نسعى لطرق أي معلومات غابة لو علمناها سيمكننا أن نتيقن من نتيجة كل تجربة على حدى (مثل معرفة زمن تحلل جسيم نيوترون واحد). .. وهذا التبرير يقوم على أن العلل الطبيعية قد انقطعت عن هذه المعرفة، وأن النتيجة اللازمة هي أن الطبيعة في بنيتها احتمالية. وأنها غير معلومة المستقبل على التفصيل من حيث المبدأ، وليس من حيث الجهل بأي خبايا مكنونة فيها. وهنا يكمن التفسير الطبيعاني  naturalistic interpretation والذي يتنكر لمن يمكن أن يعلم أي يقينيات في هذا العمق الاحتمالي حتى لو كان الكون صانع لهذه الأحداث (إله)، وهذا هو الذي رفضه أينشتاين، وقال بسببه قولته الشهيرة؛ أي: [الله لا يلعب النرد]. ... ثم تأتي محاولة الخروج من هذه الاحتمالات (من قبل [5] Hugh Everett) بالزعم بأن كل هذه الاحتمالات الممكنة تقع جميعاً، ولكن في عوالم تتشعب وتتشعب مع كل احتمال. بمعنى أن هناك عوالم لا نهائية العدد، ومتواجدة جميعاً في نفس الآن، ومع كل آن تتواجد عوالم بسبب تواصل التشعب الحدوثي بسبب ما يظهر من احتمالات لا تنتهي. (منتهى السخف .. وبإسم العلم!!!)

6- 
_______________________
ما موقف المسلمين الذين يؤمنون مع الطبيعانيين بهذا الدين (المتدثر في ثياب العلم)؟
أولاً: العلماء الذين راعوا الإيمان بالله تعالى والقرآن، ولكن، لا يستطيعون التفريط في مقدراتهم العلمية (الغربية) العزيزة:
قال: [التحدي في كيف يمكن لنا أن نُركِّب أو نُنشيء علماً لاهوتياً (أصولياً دينياً) يتم فيه المزاوجة بين تصورات عن الإله (إلاهاً مُتشخِّصاً) مع تصورات "لاهوتية طبيعية" Natural Theology تتعرف على الإله باعتباره مصدر النظام المستبطن لما نُشاهده في العالم، والذي يمثل الأصل الذي بُني عليه الكون. ولكي نكون على ثقة (في نجاح مسعانا) فلن نقبل تلك التصورات اللاهوتية التي تصطدم أو تتعارض مع المناهج العقلانية أو النتائج العلمية؛ لأننا لن نساوم على مُقدَّراتنا العقلية [3]].
أي أن القضايا اللاهوتية المصدر عند نضال قسوم، ستكون تابعة في تفسيرها للمنهج الطبيعاني وأدواته من عقل ونظر، وإلا فسوف يتم إزاحتها بأي صورة، سواء بالتأويل بالمجاز أو بغيره من وسائل نقل المعاني، حتى ولو وصلت إلى التعطيل احتجاجاً بالتبدل الثقافي بين (عصر التنزيل الأول) و(عصر العلم الراهن)!؛ لأن المواجهة عندئذ ستصبح مُساومة على مقدرات علمية أصبحت عزيزة، ولا يمكن التفريط فيها، ومهما كان الثمن!!. وعندئذ سيكون الدين تابعاً للعلم، إن وافقه كان بها ونعم، وإن لم يوافقه أُزيح بأقرب الأعذار، حتى لو بعدت!.
2 -

-------------------------------------------------------------------------

[1] Kim, J. 2003: The American Origins of Philosophical Naturalism. In: Audi,R. (ed.) Philosophy in America at the Turn of the Century. Journal of Philosophical Research, APA Centennial Supplement, p.84.

[2] Eliezer J. Sternberg, My Brain Made Me Do It: The Rise of Neuroscience and the Threat to Moral Responsibility.

[3] Nidhal Guessoum, Islam's Quantum Question Reconciling Muslim Tradition and Modern Science, Published in 2011 I.B.Tauris and Co Ltd, London, p.217.

[4] "There is not one universe but a whole infinite ensemble of universes with all possible initial conditions" attributed to: (Carter, B. D. 1968, Cambridge University Preprint (then unpublished))
by : Collins C. B.Hawking, S. W. (1973). "Why is the universe isotropic?". Astrophysical Journal180: 317–334.


[5] Hugh Everett Theory of the Universal Wavefunction, Thesis, Princeton University, (1956, 1973), pp 1–140. 
Everett, Hugh (1957). "Relative State Formulation of Quantum Mechanics".Reviews of Modern Physics29: 454–462.

[6] Arthur Eddington - The theory of relativity and its influence on scientific thought, OXFORD AT THE CLARENDON PRESS 1922. p.5.
Originally a lecture Delivered in the Sheldonian theatre 24 May, 1922.

[7] Thanu Padmanabhan, "Gravity and Spacetime: An Emergent Perspective" published in:
[Ashtekar, Abhay_ Petkov, Vesselin (eds)-Springer handbook of spacetime-Springer (2014)], p.213-242. 

[8] http://www.philosophybasics.com/branch_naturalism.html 


هناك 14 تعليقًا:

  1. انني اتابع مدونتك منذ فترة لكن اسمح لي ان اقول ان العلم بالفعل يتبع الفلسفة الطبيعية وهذه نقطة قوة في العلم وليست نقطة ضعف، في البداية سأنوه عن ان الطبيعية لم يفرضها العلم كمسلمة من البداية لكن هذا ما توصل اليه العلماء في بحثهم منذ ايام نيوتن الذي عرف ان الجاذبية هي اللتي تمسك الكواكب في مداراتها ولاتوجد كائنات خفية تدفعها.

    هذا لا يعني عدم وجود كائنات من وراء الطبيعة انما العلم فقط لايبحث فيها لاستحالة تطبيق المنهج العلمي عليها وكل عالم له الحق بالاعتقاد بالدين الذي يرغب شرط ان لايأتي به الى المعمل.

    ان نجاح العلم جاء بسبب الفلسفة الطبيعية التي يعتنقها لكن هذا لايعني تطبيق الفلسفة الطبيعية في كل جوانب الحياة فالمنهج العلمي له حدوده وليس المنهج المعرفي الوحيد مثلا نحن بحاجة للدين من اجل الاخلاق والروحانيات فالعلم والدين كل له مجاله ولاينبعي خلطهما معا.

    امر اخر بالنسبة الى ما ذكرته عن ميكانيك الكم والانتخاب الطبيعي فهذه ثبتت بالادلة وليست من تأليف احد انت بنفسك قلت "أن النظرية صادقة في كل تنبؤآتها، وأنها احتمالات واقعية تؤكدها التجارب مراراً وتكراراً،" فإين المشكلة اذا طالما اكدتها التجارب؟ الانسان العاقل يتبع الدليل ولايهم الى اين يأخذه وغرابة ميكانيك الكم هي ذنب الكون وليست ذنبنا نحن.

    ردحذف
    الردود
    1. في مسألة أسباب الإبداع في الكون يقع الناس على ثلاثة أصناف:
      1- الصنف الأول: من ينكر الأسباب الطبيعية ويعتقد أن الفاعل المباشر لكل ظواهر الكون هو الله تعالى بلا أسباب، حتى أنك إذا نظرت في المرآة، يخلق الله شبيهاً لك في جوف المرآه، فتراه يفعل كما تفعل ويتحرك ما تتحرك. ... وهؤلاء بهم من الجهالة ما بهم.

      2- الصنف الثاني: من ينكر أن وراء الأسباب واضع لها، قننها وأحكمها، ويظنون بغبائهم أن الأسباب (القوانين/ العلل/ السنن) ظهرت أو انبثقت أو تمخض عنها الكون عن تفاعل ذاتي. وهؤلاء هم عباد الأسباب، والكفار بمبدع وموجد الأسباب.

      3- الصنف الثالث: وهم الذين يؤمنون بالأسباب لأنها حق واقع، ويؤمنون بأن وراء الأسباب مبدع، أوجدها وأظهرها. وذلك مثلما يؤمن الناس الآن بأن المخترعات الحديثة كالطائرة والسيارة تعمل بأسباب، وأن وراء هذه الأسباب مهندسون ركبوا هذه الأسباب وأبدعوها في آلات تعمل عن طريق هذه الأسباب. ولا ينكرون الأسباب لأنها حقيقة مخلوقة، ولا ينكرون الأهم منها، وهم المهندسون (الشركات المصنعة لها)، وينسبون الفضل والتقدير لها، لأنها صاحبة الفضل في صناعة هذه المخترعات، وليس إلى عين الأسباب التي لا ينكرها إلا جاهل.

      والآن: إذا جاءنا (من يضع تعليقاً) فينكر على الصنف الثالث اعترافهم بمسبب الأسباب في مجال العلم، ويتهمهم بأنهم إن فعلوا ذلك فهم من الصنف الأول المنكرون للأسباب .. وأنهم يدخلون الدين (الإسلام) إلى محراب العلم .. ولا يجب عليهم أن يفعلوا.

      نقول له، إما أنك مسكين .. التبست عليك الأمور. لأنك لا تعلم أن القرآن قد أتى على ذكر مئات الظواهر الطبيعية وأسبابها، .. ولكنك تستبعدها لأنك لم تلتفت إليها، أو أنك فهمتها بثقافة عصور اندثرت، وذهبت مع ذهاب أصحابها.
      أو أنك تتعمد التلبيس على الناس لحاجة في نفسك، فتعودت أن تؤمن بالفلسفة الطبيعية التي تؤمن بالأسباب وتنكر صانعها، وهذا فعل من يهرب من إيمان مهترئ بالي إلى إيمان منكر بالإله وكلماته في العلم والخلق وتسبيب الأسباب.

      وأياً كان حالك: .. سواء كنت ذلك المسكين.. أو ذلك القائم بالتلبيس؛ المقتفي أثار الغربيين؛ المنكرين لآيات الله تعالى في الخلق والعلم، فنقول لك أنت وشأنك. ..

      أما نحن فننسب فعل الله لله، مثلما تنسب أنت فعل الطائرة للشركة التي صنعتها،
      ولو قلنا أن الطائرة صنعها وأبدعها غير الشركة التي صنعتها وأبدعتها لكان لهذه الشركة الحق في مقاضاتنا. ..وهذا أمر مختلف عن أن ننكر أو لا ننكر آليات عمل الطائرة (الفلسفة الطبيعية في أسبابها). .. وهذا هو التلبيس الذي جئتنا به يا صاحب التعليق. لأن الغربيين يقولولن بأن الطبيعة خلقت (وهذا هو مناط المقالة أعلى) .. وهذا هو الإفك المبين ... وهذا هو الذي نقاضيهم عليه – ومن نافح عنهم.
      فلا تكونن ظهيراً للكافرين. ولا تدخل الحق في الباطل،

      حذف
    2. أنا لااعرف لماذا يصعب علينا تقبل الافكار المختلفة برحابة صدر من غير تهم بالتلبيس والمسكنة والجهل، عموما: من الواضح لمن يقرا مابين اسطر مقالك انك تعيب على العلم التزامه بالفلسفة الطبيعية وهذا ما اعترضت عليه فقط فلاتحمل كلامي ما لايحتمل، انا لم اعترض على نقدك للفلسفة الطبيعية الالحادية التي تقول بعدم وجود اي شيء مما وراء الطبيعة وهذا وافقتك عليه بقولي" هذا لا يعني عدم وجود كائنات من وراء الطبيعة انما العلم فقط لايبحث فيها لاستحالة تطبيق المنهج العلمي عليها وكل عالم له الحق بالاعتقاد بالدين الذي يرغب شرط ان لايأتي به الى المعمل." خلافنا في نقطة محددة وليس في كل شيء.

      كل ما افعله هو الدفاع عن المنهج العلمي فانا اعتبر نفسي كاتبا في العلوم وقد كتبت عن المنهج العلمي بشيء من التفصيل في مدونتي
      : ما هو العلم

      اذا كنت توافقني ان المنهج العلمي طبيعي بالضرورة ولكنه ليس المنهج المعرفي الوحيد فلعلي اسأت قراءة مابين سطور مقالك.

      حذف
  2. هل بقولك "لأنه لا يمكن القطع بوجود حادثة طبيعية لا سبب طبيعي لها أسبق منها. أللهم إلا إذا بدأ الزمن بالفعل ولم يكن له قبل"
    القصد انه اذا ثبت انه لم يكن زمن قبل الانفجار العظيم ، سيغني هذا عن وجود الله-استغفر الله طبعا-، اي لن يعود هنالك حاجة لان يكون مسببا لحدوث الكون؟

    ردحذف
  3. السلام عليكم ورحمة الله
    قبل قولي هذا، بدأت الفقرة وقلت فيها:
    [يسود الاعتقاد (والذي يوصف أيضاً بأنه علمي) بأن الزمن قد بدأ فقط مع لحظة الانفجار هذه، وأنه لا يجوز السؤال عن زمن سابق، رغم عدم وجود أدلة على ذلك]، أي أني أستنكر ابتداء الزمن وأنه لم يكن قبل هذه البداية زمن. وأجزم بأنه لا دليل على مثل هذه الفرضية التي يضطر الطبيعيون إلى افتراضها وإلا يلزمهم تسلسل الحوادث الطبيعية بلا ابتداء إذا تشبثوا لأن العلل الكونية ليست إلا علل طبيعية. وعندئذ لن يكون لهم مخرج من هذا التسلسل إلا بوجوب فاعل من خارج الطبيعة. أي أني أضطرهم إلى ما يهربون منه، وهو وجود الخالق الحكيم، والذي هو وراء الطبيعة، وأنها ليست إلا إبداع له يدل عليه.

    ردحذف
    الردود
    1. وعليكم السلام
      نعم فهمت
      ولكن سؤالي ماذا لو فعلا ثبت في المستقبل ان الزمن بدأ مع الانفجار العظيم
      هل حينها لن يكون لنا مخرج نحن المؤمنون بحسب قولك؟

      حذف
  4. قولي (إلا إذا بدأ الزمن بالفعل ولم يكن له قبل) لا يعني أننا نحن المؤمنون (لن يكون لنا مخرج)
    وإنما هذا تعليق هذا على ابتداء حقيقي للزمن، (لمن يقول به)

    وقولك (ماذا لو فعلا ثبت في المستقبل ان الزمن بدأ مع الانفجار العظيم) فمعناه احتمال العثور على دليل على هذا الابتداء
    فأقول أن هذا محال اعتمادا على فهمي لمعنى الزمن .. والذي هو باختصار (الزمن الوجودي).

    أي أني أشترط لحصول ما يريده غير المؤمنين من إنكارهم قوة إلهية خارج الكون إثباتهم أن الزمن قد بدأ. وأنى لهم؟!
    وذلك مثلما يقول الله تعالى "إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ"(الأعراف 40)
    حيث لا يجوز أن يقول قائل ... علق الله تعالى دخول الكفار الجنة على ولوج الجمل في سم الخياط. .. ولم ينتبه القائل أن التعليق على محال. .. وكذلك إثبات أن الزمن قد بدأ. فهو محال الإثبات. لأن المثبت يجب أن يكون خارج الزمن بافتراض أن الزمن قد بدأ. ثم أن الزمن (الوجودي) محال أن يكون له بداية لأنه ملازم لصفة من صفات الله تعالى ألا وهي أن الله تعالى (حي).

    فالتعليق على محال إستخفاف بعقول اصحابه، وتحدٍ لهم .. سواء قبلوا التحدي أو لم يقبلوه.

    ردحذف
  5. اخ عز الدين السلام عليكم
    عندي لك سؤال بخصوص المذهب الطبيعاني والمدرسة المادية اي سؤال بخصوص العلموية اي الطبيعانيين والفرق بينها وبين المذهب المادي وما هو خطأ كل منهما
    انا على يقين تام بقصور هذا المذهب بتفسيره العديد من ظواهر الكون، وكيف انه ينقض نفسه بنفسه ، واذا نظرنا الى تعريف هذا المذهب العلموي حسب المدافعين عن الايمان نراه "هو التصديق فقط بما يخضع للتجربة والحس والعلم التجريبي"
    ومن رواد هذا المذهب هم الملحدين الجدد امثال لورانس كراوس وستيفن هوكينغ.....
    ولكن عندي نقاش حول الموضوع ، لقد ذكر حسب التعريف انهم يؤمنون فقط بما يخضع للتجربة في المعامل وفي المختبرات ، وما يلاحظونه ويرونه
    ولكن الا يمكن ان يكون قصدهم هو شيئ اخر؟
    فمثلا ان نظرنا الى فرضيات مختلفة يضعونها هؤلاء الملاحدة مثل نظرية التطور وفرضية الاكوان المتعددة والتي يؤمنون بها، فهي ليست عبارة عن التعريف الذي ذكر مسبقا
    بل عبارة عن تعريف اخر لهم وهو حسب رأيي "انهم يؤمنون بالمادة فقط ، التي يمكن الاستدلال عليها من خلال ادلة غير التجربة مثل العقل والاستقراء ، وليس ايمانهم مبني فقط على اساس التجربة في المختبرات فقط ، بل يمكنهم الايمان بأشياء لا يوجد دليل تجريبي عليها ولكنهم استدلوا عليها بواسطة عقلهم ولكنها في النهاية اشياء مادية..."
    فبالتالي الا يعد التعريف الثاني منطقيا وصحيحا؟
    بحيث ما هو وجه النقد للتعريف الذي ذكرته؟
    يعني ان مذهبهم هو" العلم التجريبي ليس هو السبيل الوحيد للمعرفة ويمكن الاستدلال بالعقل ، ولكن في النهاية جميع الموجودات هي مادية "
    يمكن القول ان استعمال العقل للإستدلال على بعض المسائل العلمية في هذا المنهج يقضي بنتيجة ان الاستدلال على وجود خالق من دون ادلة مادية هو امر لا يمكن للملاحدة بهذه الحالة توجيه اتهام للمؤمنين به ، اي بانهم يؤمنون بالغيب ويستدلون على وجود الله بالعقل.
    ولكن دون ان نقول ذلك
    ما هو وجه القصور في الالحاد الجديد وفي التعريف الذي ذكرته؟
    يعني كشخص يؤمن بأن الكون عبارة عن مادة فقط
    وان اصل الكون مادي ، ولكنه يؤمن بان العلم التجريبي ليس هو السبيل الوحيد للإستدلال على الحقائق
    فيمكن مثلا الاستعانة بالعقل مثل الاستقراء والقوانين العقلية الاخرى
    ما هو وجه الخطأ في ذلك؟
    اي ما أوجه الخطأ والنقد في شخص لا يؤمن بوجود اله
    ولكن يؤمن بالشقان المتلازمان للعلم
    الشق المادي كالتجربة والحس والشق العقلي كالاستقراء والاستنباط؟

    ردحذف
  6. عليكم السلام ورحمة الله
    نعم، كل إنسان في مجال الفكر - مؤمن أو كافر - يؤمن بالشقين اللذين ذكرتهما: الشق المادي كالتجربة والحس والشق العقلي كالاستقراء والاستنباط. وإلا لاستحالت العمليات الفكرية.
    ولكن الفرق بين المؤمن والكافر أن المؤمن لا يتحيز في الشق الثاني (العقلي) فينتقي منه حسب الهوى، بل يلتزم بكل ما يؤدي العقل السوي إلى نتائج. ومنها ضرورة وجود قوة حكيمة أبدعت نظاما من الفوضى أو أخرجته من العدم.
    أما الكافر فيتحيز، ويضع النتائج التي يريدها لتصبح هي الحاكمة على العقل، وليس العقل حاكما عليها. فيرفض أن يستدعي النظام منظم. ثم يختلق أدلة سخيفة لتبرر تلبيساته، فيجعل مثلا عبارة (الانتخاب الطبيعي هو الفاعل لخروج النظام من العدم والفوضى) قضية عقلية لازمة عن مشاهدات تجريبية. وهو أمر يشهد العقل على بطلانه.
    فالكافر غير عقلاني في الحقيقة، بل أهوائي.

    وهذا هو ما أفهمه من قول الله تعالى: (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ)

    ردحذف
  7. السلام عليكم
    عندي لك سؤال ثاني او استفسار لا ادري ما هو
    المهم انه في السابق عندما كنت ابحث في مجال الشبهات وكانت تاتيني شبهات علمية حول وجود الله وحول الاسلام نفسه
    كنت حينما ابحث عن رد الشبهة أسأل اشخاص معينين في هذا المجال -مسلمين-
    وكنت اثق بردودهم ، وكان ياتي ببالي حينها ان الناس فريقان
    فريق المؤمنين وفريق الملحدين ، وانا في فريق المؤمنين واثق بأقوالهم ورودهم على اسئلتي وان الملحدين لديهم حجج ضعيفة وهم يكابرون ولا يرون الحق ، وقطعا كنت اجزم ان الملحدين على خطأ ونحن المؤمنين على صواب

    ولكنني مؤخرا اعاني من شيئ مزعج ، وهو ان هذه التفرقة قد انمحت من بالي وبدأت ارى بعضا من افكار الملاحدة منطقية
    كما وانه بدأت تأتيني اسئلة كثيرة حول ، ما الذي يجعلني اثق بالشخص المؤمن واتبنى ردوده؟
    لماذا لا اقوم بطرح اسئلتي على اشخاص ملحدين وحينها سيجيبونني وسأقتنع بأجوبتهم مثلما اقتنعت باجوبة المؤمنين؟
    يعني كل هذه الوساوس والافكار تزعجني وخائفة منها جدا ، وخائفة من ان اتحول يوما لفريقهم وارى انهم هم على حق
    كذلك تأتيني احيانا تعجبات من كيف يمكن لشخص مسلم ومؤمن ، رأى كل هذه الشبهات ولكن الايمان مستقر بقلبه لايزعزعه اي شيئ؟ يعني كيف استطاعوا أن يبقوا صامدين على الايمان ولكنني انا بالمقابل تعرضت لبضعة شبهات وبدأت تأتيني شكوك كثيرة حول ماذا لو كان الالحاد منطقيا وانني مخدوعة باجوبة المؤمنين

    يمكنك القول انهم راسخون بالعلم ، وايمانهم قوي لذلك لم يتأثروا وقرأوا كتبا كثيرة وتلقوا معرفة واسعة في هذا المجال قبل ان يخوضوا فيه
    ولكن مباشرة تأتي افكار اخرى تخبرني ان هذه الكتب التي قرأواها والمعرفة التي تلقوها ، كانت بواسطة اناس مؤمنين ، اي هم اتوا من خلفية مؤمنة وهذه الكتب تدعم الايمان ، فمن الطبيعي ان يصدقوا بها وتنفعهم كثيرا
    ولم يأتوا من منطلق نظرة حيادية بل من انحياز معرفي سابق.
    فبارك الله فيك ووفقك ، كيف استطيع الرد على هذه الشكوك؟

    ردحذف
    الردود
    1. يبدو لي أن علاج هذه الشكوك يقع في وجوب التفريق بين إيمان المجتهد، وإيمان المقلد.
      فالمقلد الصِّرْف (أي الأعمى) لا يمكن له (عقليا) الحكم على صدق من يقلده. إذ التقليد يعني دوران المقلد مع من يقلده. إيمانا وكفرا، نجاةً وهلاكا. تماما كمن ينزل مدينة غريبة ويسأل الناس عن عنوان يقصده، فإما أن يهدوه إلى مبتغاه أو يضلونه عنه. ولم يكن له من حيلة يستطيع بها التيقن بنفسه والاستغناء عنهم. وهذا هو إيمان العوام. وهو مكروه، وحذر منه العلماء دوماً، لأنه يخالف أصل قرآني وهو قول الله تعالى "قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي"(يوسف: 108). وهنا نجد وجوب أن يقوم التقليد على بصيرة. أي على اجتهاد يستند فيه المقلد إلى أصل اجتهادي في علة صدق من يقلده، وأنه يستند معه إلى هذا الأصل، ويأتي التقليد الصرف في التفاصيل (الفروع) دون الأصول. إذ لا يمكن للإنسان أبدا أن يستقل عن غيره في كل شيء. إذ راكب الباص لا بد له أن يثق بسائق الباص حتى يصل لمبتغاه. وفي نفس الوقت يستطيع أن يستدل من شواهد وعلامات على الطريق على أن سائق الباص يسير على الطريق الصحيح - حتى ولو اضطر إلى الانحراف الاضطراري عنه كوجود إصلاح في الطريق - ثم العودة إلى الطريق الصحيح - بزوال الاضطرار - والمؤدي إلى الغاية.

      حذف
  8. فمثلا دعك من جزئية داروين ونظرية التطور في هذا الاقتباس ؛ولكن انظر الى الادعاء ان الباحث عن الحقيقة يخضع كل شيئ للنقد حتى الدين ، ولا يجب ان نتلقى المعلومات بفرض النقل مثل الدين مثلا
    قرأت هذا الاقتباس بمقال كنت ابحث فيه عن نظرة داروين للمرأة ، ولكن ما لفت انتباهي نفس الموضوع الذي يدور ببالي
    يقول:
    "يعنينا أن نتكلم في داروين ونفحص ما كان يرى، لأننا باحثون عن الحقيقة ودُعاة تنوير وساعون نحو الإنسان. وقد أوردتٍُ في مقالات سابقة الكثير عن تطور نوعنا المعروف باسم الـ Homo Sapiens وربطت التطور البيولوجي بالإنثروبولوجيا وخصوصًا في شقها الميثولوجي الديني، وأجد أنه من الضروري أن أُتابع عن جزئية الدونية الأنثوية لنفحص ونرى هل ما قاله داروين حقٌّ يؤخذ به، أم كلام ٌ يدحضه العلم والتجربة الواقعية والخاصية الإنسانية لنوعنا؟

    إن كون داروين صاحب نظرية التطور لا يجعل منه إله الإلحاد ونبيه وصاحب كتابه الذي لا يُردُّ منه عليه، والباحثون عن الحقيقة يُدركون أن كل شيء خاضع للنقد، لا أقداس ولا مُقدَّسات إلا ما جاءت بُبرهان وأجلت نفسها ببيان، وتوافقت مع طبيعة الكون والبشر وقدمت لهم ما رقى بواحدهم وارتقى بنوعهم وأغناهم، لا ما فُرض بالنقل وخالف الفطرة َ أو ناقض العقل. ولا يعدو دارون كونـَهٍُ صاحب فكرٍ وعلمٍ أجاد وأبدع وصنع للبشريةِ صنيعًا يُذكر له ما دام الإنسانٍُ يدوِّنٍُ ويتناقلٍُ إرثه، لكنه لا يعصمُهٍُ عن الفحص ولا يرفعه من تحتِ عدسةِ التحليل والتفكيكِ والتشريحِ والحُكمِ بأهليتهِ للتوارث قبولًا وممارسة ً أو إبطالًا وانصرافًا عنه"

    فهنا مباشرة تأتي ببالي نفس الافكار التي ذكرتها في التعليق السابق ، الا يجب حينما نبحث عن الحقيقة وترد ببالنا الشبهات ان نكون حياديين وليس منحازين لطرف الايمان الذي ولدنا عليه؟

    ردحذف
    الردود
    1. هذا الاقتباس جميل في جزئه الصريح بوجود الفحص، وعدم التقديس المبدئي، والدؤوب في البحث عن الحقيقة.
      ولكن، عند النزول إلى الواقع، نتساءل: هل قام أو سيقوم صاحب العبارة بالفعل بتطبيقه بالحيادية والجدية التي تبدو في ظاهر كلامه؟! .. وحتى على باقي أجزاء نفس العبارة المقتبسة.
      هنا تأتي البصيرة، أقصد التحقق في أنه (باعتباره سائق الباص - في الرد على التعليق السابق) لن يضللنا في الطريق فيأخذنا إلى مكان نضيع فيه ونضل عن مقصدنا.

      أولاً: نلاحظ أن العبارة تحتوي كلاما يلقي في روع القارئ صدق الباحث، وأن هذا الصدق لا بد وأنه لازم قوله (أوردتٍُ في مقالات سابقة الكثير عن تطور نوعنا المعروف باسم الـ Homo Sapiens وربطت التطور البيولوجي بالإنثروبولوجيا) فيتوهم القارئ أنه لابد قد أتى بالبرهان على ذلك!
      وأتساءل: هل أتى صاحب الكلام بالفعل بدليل مادي على أن الإنسان (تحت مسمى الهومو سيبين) خرج من كائن سابق بفعل الضغوط البيئية؟
      الإجابة الصريحة: لا، لم يأت بشيء! .. لا هو ولا غيره. فهذا الجزء من الاقتباس ليس إلا (سُمّاً) ألقاه صاحب العبارة في زخرفها الجميل(العسل).

      إن العبارة تحتوي على حق وباطل، جري فيه إلباس الباطل المطمور لباس الحق المتألق المزخرف الجميل. فيزدرد (يبتلع) القارئ الغافل المخدوع الباطل من حيث لا يدري. بل وربما يكون سعيداً من شدة رونق وجمال الحق في العبارة. والمتمثل في الفحص، والبرهان، وعدم تقديس دارون، ووو ..

      ومهما قيل من زخرف الكلام في جمال نظرية التطور الدارويني القائم على الانتخاب الطبيعي، وأنه علة خروج الأنواع من بعضها بعضا، فلن يجعلها تجتاز حقيقة أن تأقلم النوع الواحد في بيئات مختلفة لا يمكن أن يكون علة ظهور الأنواع. وإلا لكان تطويع الصناعات الإنسانية من ملبس ومركب بمدها بأزرار خاصة لتلائم أريحية أصناف الناس المختلفة دليلا على أن هذه الصناعات قد تطورت من نوع إلى نوع، باطراد ظهور التأقلم من لا شيء.

      ولمثل هذا الاقتباس:
      1- نهى القرآن (اليهود وأهل الكتاب عامة) عن تلبيس الحق بالباطل
      "وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ"(البقرة 42)
      "يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ" (آل عمران 71)

      2- حذر المؤمنين من الوقوع في زخرف القول:
      " .. شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا .."(الأنعام 112)

      3- نهى المؤمنين - بل والناس جميعا- عن اتباع خطوات الشيطان (إستدراجاته للغافلين منهم)
      "يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ" (البقرة 168)
      "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ..."(النور 21)

      وكيف يعلم المؤمن زخرف القول من صادق القول؟
      وكيف يعرف المؤمن خطوات الشيطان؟
      وكيف يميز المؤمن الحق من الباطل إذا التبسا عليه بفعل شيطان جني أو إنسي (ملحد)؟

      الإجابة:
      بالعلم الذي جاء به القرآن، وما بثه الله تعالى من حكمة في خلقه. فإذا حازهما الإنسان، كان ذا بصيرة يحكم بها على الأشياء، فيعلم أن العبارة المقتبسة ظاهرها فيه الحكمة، وباطنها فيه الضلال.


      حذف
    2. باختصار عن الداروينية والانتخاب الطبيعي
      Natural Selection Explains the Survival but no the Arrival
      الانتخاب الطبيعي يفسر مسارات دوام الحياة، ولا يفسر نشأتها.
      بل حتى أن وجود هذه المسارات يحتاج إلى حكمة التعدد في المسارات والتي تلائم تعدد البيئات.
      وهي حكمة ثانية تضاف إلى الحكمة الأولى.
      فكيف بمن يأتي يتلاعب بالعقول - برونق الكلام وزخرفته - ليزعم أن الصدف السعيدة تغني عن الحكمة البعيدة؟!!!

      حذف